افتتح الأستاذ محمد حسنين هيكل الحلقة الجديدة من سلسلة تجربة حياة الخميس الماضي بقراءة مقتطفات من مقال سياسي۔ نافذ الرؤية بأسلوب أدبي أخاذ للكاتب الراحل كامل الشناوي بعنوان أين الرجل¿۔ طالعه القراء في جريدة الأخبار صباح يوم 22 يوليو عام 1952۔ وكان يجسد احساساً مرهفاً ب اللحظة۔ ونبؤة كاملة بالثورة۔ التي تحققت في أمسية نفس اليوم وسطعت علي الدنيا صباح اليوم التالي!. وكامل الشناوي صحفي شهير وشاعر قدير لكنه إنسان استثنائي. وقد أثر بوضوح وبقسمات وملامح خاصة في الحياة الثقافية والسياسية۔ وفي الأجيال التي عاصرها حتي رحيله في منتصف عقد الستينيات الماضي عن 55 عاماً۔ والحق أنه من الشخصيات التي يجدر أن يتعرف عليها الجيل الجديد تعرفاً كافياً۔ ومع أن ما نٓشر له كسطور بين دفتي كتاب قليل بل نادر۔ إلا أن مقالاته وما كتبه في الصحف مع الأسف لم تجمع. كما أن ما كتب عنه في الصحف كثير وبعضه بالغ الأهمية وهو مع الأسف أيضا لم يجمع!. وأفضل ما صدر عنه حتي الأن كتاب حول سيرته للكاتب يوسف الشريف أتم الله عليه الصحة والشفاء وقد سبق أن تحدث الأستاذ هيكل عن صديقه الحميم كامل الشناوي في ذكراه أكثر من مرة۔ وهو يثبت بحديثه دائماً أنه كم يعتد بقيمته وقدره۔ ومن منطلق موضوعي وليس فحسب بمشاعر الصداقة والرفقة الممتدة. وفي فاتحة حديث الخميس الماضي من أحاديث تجربة حياة الأسبوعية علي قناة الجزيرة الفضائية والذي تنشره العربي اليوم يقول عنه: كامل الشناوي صحفي كبير ومعروف بالطبع وهو أيضا شاعر۔ تتجلي موهبته و قدرته الرائعة.. علي الإمساك بروح لحظة معينة أو تصوير مشهد معين۔ وفي قصائده كلها كانت هناك دائما هذه القدرة علي الإمساك باللحظة. وعادة نقول إن الصورة هي تثبيت للحظة.. و إن الصورة أمسكت بموقف عند لحظة معينة۔ وقبضت عليه وأبقته للزمن وللتاريخ... كامل الشناوي كانت لديه هذه القدرة: فإنه بالكلمات يرسم صوراً لمواقف معينة.. وإن هذه الكلمات وهذه الصورة تبقي فيما بعد۔ والعودة إليها يمكن جداً أن تكشف ظلالاً۔ وزوايا۔ وأن تكشف أضواء مما كان في لحظة بعينها.. استطاع بحس وروح الشاعر أن يمسك بها. ويشير محمد حسنين هيكل إلي أنه في ذلك المقال يوم 22 يوليو 1952 :كان كامل يشعر بفداحة الموقف السياسي وبتردي المواقف وسقوط الرجال!. ويقول كامل الشناوي في مقاله إن مصر تبحث عن رجال.. لكنها تبحث: بين طائفة من الساسة تجاوزوا مرحلة الرجولة... وعبثا نحاول أن نعيدهم إلي هذه المرحلة..!. ويقول إن مصر اليوم تبحث.. عن رجال بحق... وتنقب عن رجل: رجل يستطيع أن ينهض بالعبء۔ ويواجه المسئولية۔ ويقدس العدالة۔ ويفرض سيادة القانون... يعرف كيف يقول كلمته ويقف۔ وكيف يقول كلمته ويمشي. وإذا كان محمد حسنين هيكل في هذه الحلقة حول اليوم السابق مباشرة علي الثورة 22 يوليو 1952 قرأ فقرات من مقال لكامل الشناوي وأبياتا من شعره۔ فإنني بمطعالتي لنصوصه.. أختار اليوم في المتبقي من هذه السطور بضعة نماذج من عباراته وتعبيراته۔ التي كلما قرأتها ازددت إعجابًا بلماحيتها البالغة والبليغة.. وودت أن يشاركني القراء تأملها وهي كثيرة وكان يقول في حضور أصدقائه۔ الأكثر ويعبر عن النفاذ الجميل من الرؤي دون تسجيل علي ورق. وقد وجدت في فاتحة حديث الأستاذ هيكل هذا الأسبوع خير مناسبة.. لوقفة في هذه الزاوية تشير بالتقدير۔ والاعتداد۔ تجاه شخص هو نسيج وحده۔ وهو ظاهرة إنسانية مميزة۔ عرفتها بلادنا في القرن العشرين. يكتب كامل الشناوي مثلا: الذين يحيون هم الذين يريدون۔ وليست الإرادة رغبة عابرة۔ ولكنها عمل دائم مستمر. وأقرأ واختار لكامل الشناوي مثلا: لا يكفي لكي تكون إنساناً أن تحدد لك اتجاهاً وتقف فيه۔ بل يجب أن تتحرك في الاتجاه الذي تختاره۔ فالحركة هي الحياة. واختار له مثلا: إنني لست كثيباً من الرمل تبدده حفنة من الهواء۔ ولكني جبل لا أبالي العاصفة۔ بل أحتفي بها۔ وأحتضنها۔ وبدلاً من أن تزمجر في الفضاء أجعلها تغني من خلال صخوري!. واختار له أيضًا: نحن الذين تدور رؤوسنا طول النهار والليل: نحتاج إلي لحظة تتوقف فيها الرؤوس عن الدوران. نحتاج إلي الإنطلاق في الفضاء۔ والارتماء في أحضان شارع۔ أو مطعم۔ أو أي مكان عام!. كما أقرأ لكامل الشناوي: عشت عمري محباً۔ رحيماً۔ رءوفاً. الحب والرحمة والرأفة هي مقومات نفسي إذا هدمتها فقد هدمت نفسي. إنها حافزي في كل تصرف۔ وهدفي من كل عمل.