في مدينة صنعاء وفي حارة بستان السلطان ولد الشاعر المجاهد محمد محمود الزبيري سنة 1910م حيث تعيش أسرة الزبيري۔ وهي من الأسر الصنعانية العريقة۔ التي نبغ فيها قضاة وعلماء وشعراء۔ ومنهم والده محمد الزبيري۔ حيث اشتغل بالقضاء۔ فأسرته أسرة قضاة.
حفظ الأخ الزبيري القرأن الكريم صغيراً۔ وكان ندي الصوت بالقرأن يستمع إليه بخشوع۔ وقد أم الناس في صلاتهم وهو في العشرين من عمره.
بدأ دراسته في الكتُاب۔ ثم في المدرسة العلية۔ ثم بجامع صنعاء الكبير وكان من هواة المطالعة۔ نظم الشعر وهو دون العشرين.
وفي سنة 1937م ذهب لتأدية فريضة الحج۔ والتقي بالملك عبد العزيز وألقي قصيدة في الحفل السنوي الذي كان يقيمه الملك لكبار الحجاج.. وبقي مجاوراً في مكة لمدة سنتين حيث سافر إلي مصر سنة 1939م والتحق بكلية دار العلوم۔ وهناك تعرف علي الإمام حسن البنا رحمه الله وعلي الأستاذ فضيل الورتلاني۔ واطلع علي مبادئ الإخوان المسلمين بمصر وعلي الفكر الثوري الجزائري۔ وشرع في تجميع اليمنيين الدارسين في المعاهد المصرية.
وفي سنة 1941م قطع دراسته وعاد إلي اليمن۔ حيث قدم للإمام يحيي مذكر تتضمن مشروعاً لإنشاء جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صنعاء۔ مما أغضب الإمام يحيي الذي لم يرضه ذلك۔ كما ألقي خطبة في الجامع الكبير بصنعاء۔ فكان جزاؤه السجن مع عدد من شباب اليمن القريبين منه.
وبعد خروجه من السجن بمساعدة إخوانه ومحبيه لم يطق البقاء في اليمن فذهب إلي عدن۔ حيث بدأ مرحلة الكفاح المنظم۔ واستمر في كفاحه حتي قامت ثورة اليمن سنة 1948م حيث قتل الإمام يحيي۔ وعين عبد الله الوزير إماماً جديداً۔ وكان للعالم الجزائري الفضيل الورتلاني (واسمه الحقيقي ابراهيم بن مصطفي الجزائري من بني ورتلان في الشرق الجزائري) كان له الدور الرئيس في الحركة۔ فعاد الزبيري من عدن إلي اليمن حيث تولي وزارة التعليم۔ وحين فشلت الثورة غادر اليمن إلي باكستان۔ تعرف هناك علي سفير مصر عبد الوهام عزام۔ وعلي سفير سوريا عمر بهاء الدين الأميري وأقام حتي سنة 1952م۔ حيث غادرها إلي مصر بعد الانقلاب العسكري علي الملك فاروق۔ وفي مصر بدأ نشاطه في صفوف اليمنيين۔ وامتد نشاطه إلي اليمنيين في السودان وحين قامت الثورة اليمنية سنة 1962م التي أطاحت بالحكم الحميدي۔ عاد الزبيري إلي اليمن۔ وعين وزيراً للمعارف في حكومة الثورة.
ثم حصلت التدخلات من الدول العربية وغيرها۔ فدخلت اليمن في حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس فسارع الزبيري لإصلاح ذات البين بين القبائل واشترك في عدة مؤتمرات للإصلاح في اليمن وفي السودان سنة 1964م وقد تبين له بعد تلك الجهود أن الملكيين والجمهوريين سواء في المطامع۔ فأعلن تأسيس (حزب الله) وأخذ يزور القبائل والمدن اليمنية۔ فاستجاب له الكثيرون۔ وقد أدرك بعض الإخوة الذين التقوا به وتعرفوا عليه أن الرجل ليس شاعراً فحسب۔ بل قائداً متمرساً۔ ومجاهداً صلباً۔ وسياسياً بارعاً۔ ومثقفاً واعياً۔ له اطلاع واسع علي مجريات الأحداث۔ وأوضاع العالم العربي والإسلامي ومشكلات المسلمين وقضاياهم.
لقد كان الأستاذ الزبيري من العاملين بجد وإخلاص لرفع الظلم عن الشعوب وإقامة العدالة بين الناس۔ وتحقيق الشوري بين الحاكم والمحكوم.
وكان رحمه الله طلق المحيا۔ يهش في وجوه الجميع۔ يتناول القضايا والمشكلات بأسلوب متوازن من حيث بسطها۔ وجوانبها۔ وتشخيص عللها وبيان طرق علاجها.
كما كان منزله مأوي للوافدين إلي مصر من أحرار اليمن الذين فروا من الظلم والاضطهاد۔ وكانوا يمثلون شرائح المجتع اليمني من أدباء وعلماء وسياسيين وغيرهم من شباب وشيوخ أحرار۔ وكانوا ينظرون إلي الزبيري نظر تجلة واحترام وتقدير وإكبار۔ ويكثرون من مشورته۔ وينصتون إلي أرائه وتوجهاه.
وقد كان للأستاذ الزبيري اتصالاته الواسعة۔ وله معارف كثيرون معظمهم من العاملين في حقل الدول الإسلامية۔ كالأستاذ الإمام حسن البنا الذي التقاه عام 1939م بمصر۔ والأستاذ الفضيل الورتلاني۔ والأستاذ عبد الحكيم عابدين والأستاذ عمر بهاء الدين الأميري۔ والأستاذ علي أحمد باكثير وغيرهم.
لقد كانت اليمن في عهد الزبيري تعيش حالة تأخر وعزلة۔ بعيدة عما وصل إليه العالم المتحضر من تقدم علمي تكنولوجي في مجالات شتي يحسن الاستفادة منها لأن الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها۔ غير أن المشكلة كانت تكمن فيمن بيدهم الأمر في ذلك الوقت۔ الذين كانوا يريدون تجهيل الشعب وعزله عن العالم الأخر۔ حيث استشري فيهم الجهل والفقر والظلم۔ التعصب القبلي والتزمُٓت المقيت الذي لا أصل له في الإسلام۔ وتحول الشعب إلي طبقة من العبيد المسخرين لخدمة فرد علي حساب الأمة بكالمها۔ حتي لقد قال أحد الغربيين في ذلك الوقت ( إن مصر متخلفة عن أوروبا مائة عام۔ أما اليمن فإنها لا زالت تعيش عصر ما قبل التوراة).
كل هذه الأفاق من الظلم والفقر والمرض۔ فضلا ًعن الكبت والتضييق والحرمان من إبداء الرأي أو تقديم النصيحة۔ وإبداء المشورة۔ جعلت الأستاذ الزبيري وإخوانه المخلصين والمسلمين العاملين من أهل الحل والعقد۔ يبحثون لهم عن مكان يلتقون فيه وإخوان يشدون أزرهم۔ ويقفون إلي جانبهم لإنقاذ أمتهم وتحرير شعوبهم من القيود التي تكبلهم وتثقل كاهلهم۔ فكانت مصر هي المقر۔ وكان رجال الحركة الإسلامية فيها هم الأنصار الذين شدو أزر إخوانهم اليمنيين ووقفوا إلي جانبهم۔ وقدموا كل ما يلزم من المال والرجال۔ وأخذوا بكل الأسباب المستطاعة والإمكانات المتوافرة.
إن الإرادة الصلبة التي تميز بها الأستاذ الزبيري والإصرار العنيد علي تحقيق الهدف الذي كان يصبو إليه۔ قد جعلت منه وإخوانه نماذج متميزة في النشاط والحركة۔ بحيث استقطبوا كثيراً من رجال اليمن وشبابها للسير معهم في طريق الدعوة الإسلامية۔ باعتبار أن الإسلام هو المنهج الأمثل لحياة الأمم والشعوب۔ والأفراد والجماعة۔ والدول والحكومات۔ ومن ثم فلا بد من توحيد كل الجهود لاستئناف الحياة الإسلامية۔ وفق منهج الكتاب والسنة۔ وما أجمع عليه سلف الأمة ما لم يرد فيه نص.
وقد وفق الله تعالي الأستاذ الزبيري إلي قطع مراحل طيبة في هذا السبيل حيث كان التجمع اليمني يتخذ الإسلام أساساً كتحركه۔ ويلتزم أفراده منهج الإسلام خلقاً وسلوكاً وعقيدة وشريعة ونظام حياة للأفراد والمجتمعات والدول۔ فكان هذا الشباب المسلم اليمني يمثل في صفاته ونقائه أهل اليمن الأصلاء الذين قال فيهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ( جاءكم أهل اليمن ألين قلوباً وأرق أفئدة ) وكما قال صلي الله عليه وسلم ( الإيماني يماني۔ والحكمة يمانية ).
وثق الناس بهذا الرجل الكبير لصدقه وإخلاصه وطهارته۔ فكان يتحرك بالإسلام وللإسلام۔ وفي سبيل الله وابتغاء مرضاته۔ ولا غرو فهو أبو الأحرار وزينة رجال اليمن۔ ثم هو الشاعر الملهم الذي جعل من شعره مشعلاً ينير للرجال سبيل الحق والحرية ويحث الشباب علي التضحية والفداء في سبيل هذا الدين.
أما مؤلفات الأستاذ الزبيري في الشعر والسياسة فقد بلغت اثنا عشر كتاباً۔ وأما المخطوطات فهي كثيرة لدي اصدقائه وأفراد أسرته.
فمن مؤلفاته :
1. الإسلام دين وثورة .
2. بحوث ومقالات سياسية وأدبية .
3. الخدعة الكبري في السياسة العربية .
4. ديوان ( ثورة الشعر ).
كما أنه كان محور الكثير من الدراسات والكتب التي تناولت جوانب من حياته ونضاله وشعره۔ منها:
1. الزبيري شاعر اليمن / هلال الحلوجي.
2. الزبيري الشهيد المجاهد / للأستاذ عبد الرحمن الطيب.
3. الزبيري ضمير اليمن الثقافي / عبد العزيز المقالح.
4. التاريخ يتكلم / للأستاذ عبد الملك الطيب.
5. الزبيري أديب اليمن الثائر / عبد الرحمن العمراني
ومن أقوال الشهيد الزبيري : (إن حكاية وحدة الصف بدون وحدة الهدف حكاية تافهة وخرافة ولا تعدو أن تكون في الواقع غير اتفاق علي نفاق متبادل وغش مشترك۔ ولقد أنكرنا الظلم في العهد الإمامي۔ ثم أنكرنا الخطأ في العهد الجمهوري۔ لأن المبدأ لا يتغير بتغير الأشخاص والأسماء والأشكال۔ الحكم الجمهوري الذي نريده هو الحكم الجمهوي الإسلامي الصحيح الذي يقوم علي أساس الشوري والذي يتمكن فيه أبسط أبناء الشعب أن يقوُöم رئيس الجمهورية۔ وأن ينتقد أي وزير دون خوف من حبس أو لغم ينفجر في بيته۔ أو عزله من الوظيفة فذلك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمرنا الله به ورسوله.
لكن كثيراً ممن كانوا يخشون من الزبيري وحزبه تأمروا عليه لأنه يشكل خطراً علي مطامعهم۔ فحاربوه۔ ثم دبروا اغتياله۔ وهوخارج من المسجد في الحادي والثلاثين من شهر مارس 1965م فخر شهيداً ودفن في تراب اليمن الحزين علي فراقه قبل أن تنضج الثمرة ويقر عيناً بتوحيد اليمنين.
رحم الله الأستاذ الزبيري رحمة واسعة وأفاض عليه من شأبيب رحمته وتقبله في الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
والله أكبر ولله الحمد