فمن ذلك كتاب كتبه لي الأستاذ المجوُد الأديب الفهامه معلم الملوك سيدي الشيخ محمد بن يوسف المراكشيالتامليُ (1) نصُه: " الحمد لله تعالي۔ والصلاه والسلام علي سيدنا محمد تتوالي۔ من المحب المخلص المشتاق۔ إلي السيد الذي
وقع علي محبته الاتفاق۔ وطلعت شموس معارفه في غايه الإشراق۔ وصار له في ميدان الكمال حسن الاستباق۔ الصدر الكامل۔ والعالم العامل۔ الفقيه الذي تهتدي الفقهاء بعلمه وعمله۔ البليغ الذي تقتدي البلغاء ببراعه قلمه۔ ناشر ألويه المعارف۔ ومسدي أنواع العوارف۔ العلامه إمام العصر۔ بجميع أدوات الحصر۔ سيدي أحمد بن محمد المقُري قدُس الله السلف۔ كما بارك في الخلف۔ سلامñ من النسيم أرقُ۔ وألطف من الزهر إذا عبق.
وبعد۔ فإن أخباركم دائماً ترد علينا۔ وتصل إلينا۔ بما يسر الخاطر۔ ويقرُ الناظر۔ مع كل وارد وصادر۔ والعبد يحمد الله تعالي علي ذلك۔ ويدعو الله بالاجتماع معكم هنالك:
ويرحم الله عبدا قال أمينا ... كتبته إليكم أيُها السيد من الحضره المراكشيه مع كثره أشواق۔ لا تسعها أوراق۔ كتبكم الله سبحانه فيمن عنده۔ كما جعلكم ممُن أخلص في موالاه الحق قصده۔ وودُي إليكم غضُ الحدائق۔ مستجلٰ في مطلع الوفاء بمنظر رائق۔ لا يحيله عن مركز الثبوت عائق۔ وحقيق بموده ارتبطت في الحق وللحق معاهدها (1) ۔ وأسست علي المحبه في الله قواعدها۔ أن يزيد عقدها علي مر الأيام شده۔ وعهدها وإن شط المزار جدُه۔ وأن تدُر للأخري عدُه۔ وإنُي ويعلم الله تعالي لممُن يعتقد بمحبتكم وموالاتكم عملاً صالحاً يقرب من الله تعالي ويزلف إليه۔ ويعتمدهما (2) وزراً يعوُل في الأخره يوم لا ظل إلاُ ظلُه عليه۔ فإنُكم واليتم فأخلصتم في الولا۔ وعرفتم الله تعالي فقمتم بحقوق الصحبه علي الولا۔ معرضين في تلكم الأخوُه عن غرض الدنيا وعرضها۔ موفين
بشروط نقلها ومفترضها۔ إلي أن قضي الله تعالي بافتراقنا۔ وحقوقكم المتأكده دين علينا۔ والأيام تمطل بقضائها عنا۔ وتوجُه الملام إلينا۔ فأونهً أقف فأقرع السنُ علي التقصير ندماً۔ وأونه أستنيم إلي فضلكم فأتقدم قدماً۔ وفي أثناء هذا لا يخطر بالبال حق لكم سابق۔ إلا وقد كر عليه منكم أخر له لاحق۔ حتي وقفت موقف العجز۔ وضاقت عليُ العباره عن حقيقه مقامكم في النفس فكدت لا أتكلم إلا بالرمز۔ إجلالاً لحقكم الرفيع۔ وإشفاقاً من التقصير المضيع۔ وقد كنت كتبت - أعزُكم الله تعالي - إليكم قبل هذا بكتب أربعه أو خمسه فيها عجاله قصائد كالعصائد۔ كالثريد من الكلام ككلامكم السلس الكثير الفوائد۔ فعذراً ممُن كان أخرس من سمكه۔ وأشد تخبُطاً من طائر في شبكه۔ فما عرفت أوصل شيء من ذلك۔ أن حصل في أيدي المعاطب والمهالك وما رأيت غير رجل من صعاليك الحجاج التقيت به يوماً بالحضره المراكشيه۔ فقال لي: الشيخ الإمام المقُريُ يسأل عنك۔ وقد أرسل معي كتاباً إليك۔ فوقع في البحر مع جمله ما وقع۔ فقلت له: لا غرابه في ذلك فقد رجع إلي أصله۔ ومن ظلمه البحار تستخرج الدرر۔ وقد جاءني كتاب من بعض الأخلاء الصديقين وهو الحاج الصالح السيد أبو بكر من مكه المكرمه شرُفها الله تعالي۔ وذكر لي فيه أنُه متعه الله تعالي بلقائكم۔ وأخبرني بسؤالكم عني كثيراً۔ وإلي الأن يا نعم السيد إنما عرُفته بما كتبته لسيادتكم تعريف تذكُر لا تعريف منُه۔ فأنصفونا في الحكم عليكم في عدم الجواب بما ألفته الأدباء شريعه وسنُه۔ وبالجمله ففؤادي لمجدكم صحيح لا سقيم۔ واعتدادي بودكم منتج غير عقيم۔ والله تعالي يجعل الحب في ذاته الكريمه۔ ويقضي عن الأحبُه دين المحبُه فيوفي كل غريم غريمه۔ ويصلكم إن شاء الله تعالي هذا المرقوم۔وبه سؤال منظوم۔ لتتفضلوا بالجواب عنه بعد حمد الله۔ والصلاه والسُلام علي مولانا رسول الله۔ صلُي الله عليه وسلُم:
إلي المقُريُ الحبر صدر الأئمه ... من المخلص الوداد أزكي تحيُه
فذلك يا صدر الصُدور عجاله ... لسمح بالجواب عمُا أكنُت
فتي قد رأي عند العذاري فتيه ... محرُمه عند الزوال فحلُت
وعادت حراماً عند عصرٰ فعندما ... عشاءñ أتي عادت حلالاً تجلُت
وفي صبح ثاني اليوم عادت محرُماً ... وزالت زوالاً منه في غير مريه
وفي ظهره حلُت فطابت قريرهً ... وفي عصره محرُماً قد تبدُت
وعند العشاء بالضُروره حلُلت ... وذلك بعد غرم مالٰ كفديه
وفي صبحه عادت حراماً تري به ... بروق سيوفٰ لامعاتٰ بسنُه
وكان يضيق حسرهً تأسُفاً ... وحلُت له وقت العشاء وتمُت
وعن أمهٰ أيضاً يموت سريُها ... قد أولدها في ملكه بعد وطأه
وعادت لمملوك السريُ حليلهً ... بعقد نكاحٰ بعد من غير شبهه
فجاءت ببنت۔ هل لها من تزوُج ... بنجل السريُ بيُنوا لي قصتي
فإن السيوري مانعñ من تزوُج ... له بابنهٰ منها بتلك القضيُه
وما الفرق بينها وبين التي أتي ... بها ابن أبي زيد بأوضح حجُه
وعن مشترٰ مملوكهً غير محرمٰ ... ومسلمه شراً صحيحاً بشرعه
وليس بملكه له وطؤها يري ... جوازاً علي التأبيد تأخير جلُه (1)
وما طالقñ من عدُهٰ خرجت ولا ... يجوز علي التأبيد في خير ملُه
نكاحñ لها من واحدٰ ومطلُق ... لها غير معصوم تري ي الشُريعه
وتمُت بحمد الله مبديهً لكم ... سلاماً كما أبدته في صدر طلعه
وتقرير السؤال الثاني: أمه أولدها سيُدها فصارت حرُه۔ فمات عنها السيد۔ ثمُ تزوُجها عبد سيدها۔ فأتت ببنت۔ أما لولد سيدها أن يتزوُج هذه البنت فإن الرجل له أن يتزوُج بنت زوجه أبيه من رجل غيره۔ وهذه سريُه أبيه۔ فإن الإمام السيوري يمنع هذه المسأله۔ وما الفرق بينهما وتصلكم أيضاً إن شاء الله تعالي عجاله رجزيه۔ في مأثركم السنيه۔ ضمنتها أشطاراً من الألفيه۔ فتفضُلوا بالإغضاء۔ وحسن الدعاء۔ أن يجمع الله شملنا بكم في تلك الأماكن المشرُفه۔ ثم المأمول من سيُدنا ومولانا أن يتفضُل علينا بكتاب طبقات القراء للإمام الحافظ الداني۔ إذ ليس عندنا منه نسخه۔ وأما تأليفكم الكثير الفوائد المسمُي بأزهار الرياض في أخبار عياض۔ وما يناسبها ممُا يحصل به للنفس ارتياح وللعقل ارتياض۔ فقد انتشر بهذه الأقطار المرُاكشيه۔ وانتسخت منه نسخ عديده من نسخه المرحوم سيدي أحمد بن عبد العزيز بن الولي سيدي أبي عمر۔ وكسا الله سبحانه تأليفكم المذكور جلباب القبول۔ فما رأه أحد إلاُ نسخه۔ وعندي النسخه التي كتبها بخطُه السيد أحمد المذكور بخط حسن۔ وعلي هامشها في بعض الأماكن خطكم الرائق۔ وبعض التنبيهات من كلامكم الفائق۔ وأعلمونا بتأليفكم الذي سميتموه قطف المهتصر من أفنان المختصر (1) " هل خرج من المبيضه أم لا ووددنا لو اتصلنا منه بنسخه۔ وقد اشتاق فقهاء هذا الإقليم إليه غايه كالفقيه قاضي القضاه محبكم سيدي عيسي وغيره من أخلاء خليل۔ في كل محفل جليل۔ إلي أن قال: وأنا أتمثُل بكلام مولانا عليُٰ كرُم الله وجهه حيث يقول۔ تبرُكاً به:
رضيت بما قسم الله لي ... وفوُضت أمري إلي خالقي
كما أحسن الله فيما مضي ... كذلك يحسن فيما بقي
ولي حفظكم الله تعالي تخميس علي البيتين۔ وذلك أنُه نزلت بي شده لا يمكن الخلاص منها عاده۔ فما فرغت من تخميسهما إلا وجاء الفرج في الحين۔ ونصُه:
إذا أزمه نزلت قبلي ... وضقت وضاقت بها حيلي ... تذكرت بيت الإمام علي ...
رضيت بما قسم الله لي ... وفوُضت أمري إلي خالقي لأنُ الإله اللطيف قضي ... علي خلقه حكمه المرتضي ...فسلُم وقل قول من فوُضا ...
" كما أحسن الله فيما مضي ... كذلك يحسن فيما بقي "
فعذراً - أعزُكم الله سبحانه ونفع إخائكم - عن إغباب المراسله بالمكاتبه عذراً۔ وصبراً علي بعد اللُقاء صبراً۔ فإن يقدر في هذه الدار نلنا فيها ما نتمني۔ وإلاُ فلن نعدم بفضل الله جزاء الحسني۔ ولقاء لا يبيد ولا يفني۔ مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدُيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً۔ إيقاناً بالوعد وتحقيقاً۔ فمن أوجب له محبته۔ أدخله جنُته۔ وأحضره مأدبته۔ وكمُل له أمنيته۔ جعلنا الله من المتحابين في جلاله۔ بكرمه وإفضاله۔ وكتبه محبكم ومعظمكم۔ الواصل حبل ودُه بودكم۔ والمشرُف لعهدكم۔ المنوُه بفخركم ومجدكم۔ العبد الفقير الحقير۔ المشفق علي نفسه من التقصير والذنب الكبير۔ محمد بن يوسف التاملي۔ غفر الله ذنبه۔ وستر عيبه۔ وجبر قلبه۔ وجمعه بمن أحبُه۔ بالنبيُ صلي الله عليه وسلُم۔ في عاشوراء المحرم فاتح سنه ثمانٰ وثلاثين وألف۔ انتهي.