من ديوان
ديوان عبدالسلام بن محمد الزموري الفاسي ( 1200 - 1279 هى) ( 1785 - 1862 م)
للشاعر
بديعي
الحمد لله وحده والصلاه والسلام علي مولانا رسول الله
ولو نعطي الخيار لما تأتي لسهم البين في القلب انزراق
ولكن شأن ذي الدنيا سرور وحزن واجتماع وافتراق
خلاصه ودنا, وأعز ما لدينا, الفقيه المحتسب سيدي محمد ابن محمد بن القاضي, أحسن الله إليك في المستقبل والماضي, وسلام عليك ورحمه الله وبركاته, ما توالت سكنات المحب وحركاته.
أما بعد, فإن سألت عن الحال, فما حال من حملت رجلاه ربع قنطار من الحديد, وفي عنقه مثل ذلك أو يزيد:
إذا قام غنته علي الساق حليه بها خطوه حول البيوت قصيره
فلو رأيتني, عافاك الله, وأنا عاشر عشره في سلسله ذرعها يفوق السبعين, كاد أن يجف بثقلها ماء حياتي المعين, نتجاذبها مع ضعف قوتي, إذا قام أحدنا لقضاء الحاجه قام معه التسعه, ينظر كلنا إلي عوره أخيه, وذلك هو الذي أوهي جسمي, وأنحل عظمي, لرأيت أمرا عظيما, وخطرا جسيما.
وعند العشي ينزل بنا إلي دهليز حبس مصباح, الذي يكل عن كنه فظاعته لسان الإفصاح, ولا تتراءي فيه الوجوه وقت الهاجره إلا بإيقاد ألف مصباح. فنبيت به مبيت الأرمد, الذي لا يهنأ له مرقد.
وعند الصباح يخرج بنا إلي سطحه كأنما نشرنا من أرماسنا, أو خرجنا عن إحساسنا. فنظل به ضاحين لحر الشمس إلا من اتخذ مظله من قصب, تقيه ذلك النصب, بعد دفع ما تيسر من الدراهم لصاحب السجن ليخلي بينه وبين ذاك, وأما من لم يتيسر له ما يدفع مثلي, فلا تسأل عن حاله. إلي غير ذلك من العري والجوع, فلولا ما أنعم به علينا مولانا المنصور من تلك الخبزتين كل يوم لضاع الجميع, ولاسيما من لم يجد معينا ولا مواسيا مثلي.
ولم نزل علي هذه الحاله إلي أن خفف الله عنا بزوال السلسله نهارا, علي أن تعاد بالليل كما هي. فنسأل الله كمال الفرج.
فالله الله في الدعاء, فإن دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجاب. وكثيرا ما أردت إعلامك بهذا, إلا أنه منعني من ذلك مخافه أن يسمع بذبك أهلي فيحزنهم ذلك. فإياك ثم إياك أخي أن تتحدث بهذا مع ولدي سيدي محمد. والأن بلغ السيل الزبي, كما قيل, ولا بد من شكوي إلي ذي مروءه يواسيك أو يسليك أو يتوقع.
ثم المطلوب منك, والمؤكد به عليك, إن تفكرت شيئا من الصحبه, وقديم المحبه والألفه, أن تقدم علي سيدنا القائد محمد بن سالم الأحمر, بعد سلام عليه وعلي كاتبه الفقيه العدل سيدي محمد الكردودي, وتعلمه بالحال وما أل إليه المأل, عساه أن يتفضل علي ببعث كساء وتشامير ألبسها في هذا البرد الشديد, وليقصد بهما وجه الله العظيم. وعرفه, مع هذا, أن لا ناقه لي في هذا الأمر ولا جمل, كما في علمك, وأن الذي أوقعني فيه شؤم الصحبه وسوء الخلطه, كما لايخفاك.
وليكن فيعلمك يا أخي , عافاك الله, أنني قد فقد شطر بصري, فقد ضعف شيئا فشيئا حتي لا أبصر بإحدي عيني, بثقل الدهليز, نسأل الله أن يحفظ علي العين الأخري. ولا حول ولا قوه إلا بالله.
ثم المؤكد به , يا أخي, أن تبعث إلي ولدنا سيدي محمد, وتخاصمه علي عدم بعث مكتوب إلي. فهذه مده من نحو العام, ما سمعت له خبرا, ولا عرفت أهو حي أو ميت, ولا علم لي به ولا بأهل داره. فقد كتبت له ما يزيد علي ثمانيه مكاتب, علي يدك ويد غيرك, فلم يظهر له جواب, حتي غلب علي ظني أنه ليس بقيد الحياه. ولا حول ولا قوه إلا بالله. وأكد عليه في ذلك , جزاك الله خيرا. والسلام.
من محبك عبد السلام بن محمد الزموري, بتاريخ 3 رجب عام 1249.
بيد الفقيه العدل المحتسب سيدي محمد بن القاضي.
|