وكتب إليه أيضا ويمدح المسلمين الذين معه علي ما أوقعوه بنصاري العرائش, نثرا ونظما. ونص ذلك:

المقام الذي أحي لدين الله معاهد, وأوضح سننه التي افصح عن حديثها الحسن عن طريق مجاهد. مقام سيدنا ومولانا مركز السياده, ونجمها الطالع ببرج السعاده, عضد الدوله الإسلاميه وأس ركنها, وكف المله الشريفه وساعدها وإنسان عينها: الولي الصالح البركه, في السكون والحركه, المرابط في سبيل الله, المجاهد لأعداء الله, أبي عبد الله سيدي محمد بن سيدنا المقدس أبي العباس أحمد المالكي الزياني الشهير بالعياشي, لا أضحي الله الإسلام من ظله, ولا أعدمه روايه الشكر عن ربيعه وفضله. العبد الخائف يهدي للمقام الكريم تحيه ود, يكبر شذاها عن أن يشبهه العنبر والند, ورحمه الله تعالي وبركاته, ورضوانه الأعم وتحياته.
هنيئا له بهذه الفتوحات, التي تنزلت لحضور ولائمها الملائك, واختلفت لمصافحه شهدائها علي السرر المرصوفه والأرائك وافي البشير وأفصح عما كان من نصر الله وفتحه, وذكر حديثها المأثور بشرحه, وأشار لكيفيه الزحف والكر من المكامن والمسير إلي العدو دمره الله بالبزاه المطله إلي الفناء في الحرب والثبات للعطن والضرب: أشراف فاس وشجعانها ونبهاؤها, فيمن تبع دينكم من شجعان سلا ورباط الفتح ومن لهم تلا من أهل القصر والقصبه والهبط والخلط وسفيان وبني مالك وطوائف المسلمين, رضي الله عنهم أجمعين, إلي مكان من مفاجأتهم وإطلاعكم عليهم المنايا من الاكام والثنايا, في عقر داره ومحله وقراره, وثباته لزلزال الحرب وغصصها, حتي بصقت في وجهه المكاحل وتحكمت فيه السيوف, بعدما توفته نجوم الأسنه ورمته من كل جانب في ليل النقع المثار, حتي اعتصم بالفرار. فغزته هنالك جنود الله صيدا لسيوفهم التي صيرها الطعن كالمناجل. فقطع دابر القوم الذين ظلموا. والحمد لله رب العالمين. فرجتم والله عن الإسلام الكربه والأزمات, وشفيتموه بهذه الهجمات, جزاكم الله عنا أحسن الجزاء.
ووصل إلي الحضره قتلي المعترك وكلماه شفاهم الله, ودماؤهم يبست علي الأقدام, تشهد لهم بكمال الجراه والإقدام, فتضوعت الأفاق من كلومهم مسكا. إن جاء من يبغي لهم منزلا قلنا له يمشي ويستنشق. بادروا أعانكم الله بحسم هذا الداء, واستأصلوا شأفه الأعداء, فالداء يسري إن غدا لايحسم. والأعمال بخواتمها, وشنوا عليهم الغارات تلو الغارات, فقد نادت الأيام بالثارات, واسعوا لجهادكم علي المحاجر حتي لا يبقي بحول الله وقوته في بر هذه العدوه كافر, ولا شخص منهم فاجر. فلا يغرب عن فطنتكم كيدهم وتربصهم بالمسلمين الدوائر عليهم دائره السوء واذكروا وذكروا المسلمين كيف كان استلاؤهم علي الجزيره, واستيصالهم إياها أعادها الله دار إسلام لهذا العهد. وكانت أضخم ملكا من هذه العدوه وأكثر عددا وعددا. بل هي محشر العساكر. فلم يزل العدو ينازلها من أطرافها, ويطاولها من جهاتها في حديث يطول شرحه حتي انتظمت كلها في سلكه. فباع رعاعهم الملوك, وطافوا بهم في قطار الزياده كما يطاف بالمملوك, بذله وامتهان وقهر وافتنان, كما قيل في ذلك:

فلو سمعت بكاءهم عند بيعهم   لهالك الأمر واستهوتك أحزان
يا رب ام وطفل حيل بينهما   كما تفرق أرواح وأبدان
وطفله مثل نور الشمس إذ طلعت   أو كما تملي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهه   والعين باكيه والقلب حيران
بمثل هذا يذوب القلب من كمد   ان كان في القلب اسلام وايمان

فكم طفل بكي فلم يرحم لبكائه, وكم شيخ خضبوا شيبه بدمائه: وها هو قد عبر البحر إلينا, ومد الصليب بهذه السواحل ذراعيه علينا, وساعدكم والحمد لله أقوي, ونور إيمانكم أضوي, وهو دينكم فاقصدوه.
الله الله في الإسلام, ادركوه قبل أن يموت, وخلصوه قبل أن يفوت, وحدثوهم بحديث القائل لرسول الله صلي الله عليه وسلم دلني علي عمل بعد الجهاد. فقال له: لا أجده. والله تعالي يشفي الامال ويكمل هذا النصر بالأمثال, وهو سبحانه يمد أراءكم بالإصابه, ويرفع لكم علي هذا المعمور رايه نصر تتلقونه تلقيا يصغر عنده عذابه, بعون الله وأمانه وعزه وحفظه في سره وإعلانه.
في ثامن عشر رمضان عام أربعين وألف وكتب محبكم في الله وأخوكم في ذاته, الداعي لكم في اوقات الإجابه العبد الفقير إلي الله ورحمته, وعبدكم المحب المخلص, محمد بن أحمد بن محمد المكلاتي, رزقه الله رضاكم بمنه