تحت قناطر الروح۔ تتدفُق مياه كلماته۔ مسكونه بالخصوبه ومنذوره لغضار الرؤي وشواطيء الرحيل.. ويظلُ جواد رؤيته منتظراً علي خيام قلقه الروحي جاهزاً للُْحظات المتشظُöيه في حرائقه المباغته.. لاقتحام صحراء الحياه.. ومكابده ضراوه الأيام.
أيُٓ نور أضاء في فؤاد (محمُد حدُاد) حين رأي الظلمه تكتنف تلك السُماوات التي أحبها في طفولته.. طيُْر في الفصول وعلي مدار الأعوام طائرات حزنه الورقيُه.. وسهر عاشقاً مع أقماره.. وعالياً عالياً.. كانت ترفُٓ طيور الرُوح المسكونه بالانكسار.. وكان يحلم أن تصل كلماته الحزينه إلي باريء النُور.. عسي أن تؤوب ذات زمانٰ ما ى ربما لن تعيه الذكريات وربما لا تبصره العين ى طيوره وطائراته الورقيه.. حامله الفرح للنُاس۔ كل النُاس.
لكلمات (محمُد حدُاد) عبق شواطيء الفرات في الربيع۔ وحزن المتأملين۔ وغربه الوحيدين.. وطهاره الأطفال.. وهو مخلوق من شفافيه ورقه وتواضع ى حافياً مشي.. وركض في الفلوات وحيداً.. كغزال طريد.. طاردته ى في الأزمنه ى سكاكين الظمأ القديم.. يتساءل (محمُد) (هل أتعبك السفر الطويل¿!) كذلك خاطب الفرات.. في لحظات النزيف.
رؤيته.. تتشكُل قاب قوسين أو أدني من الغربه۔ وسراب الأحلام الضائعه۔ ويظلُ باحثاً عن طيور الحريُه.
ها هو يناجي رفيق فضاءاته المفتوحه علي كل الاحتمالات.
«مْعْاً عْلي الطُْرöيق۔
وْفöي وْحشْهö اللُْيلö نْمضöي
عْلي كْتöفْينْا هٓمٓومñ ثْقöيلْهñ
وْفöي القْلبö أسرْابٓ أحلامöنْا الضُْائöعْه».
من هذه اللوعه.. يتطلُع الشُاعر (محمُد حدُاد) إلي تجاوز الألم والاغتراب في الزمان والمكان والنُاس.. وتنداح رؤيته الشعريه بين الذات والعالم۔ خالقاً أفقه الشُعري الخاص.. من فراده أحلامه وهموم صناع الحياه.. وعلي غيوم المستقبل علُق أماله كشاعر ملتزم بالأرض والخير والإنسان.
لقصيده (محمُد حدُاد) بناؤها الخاص۔ حيث يضع بؤره الرؤيه في المركز ويستدعي العناصر الجماليه الأخري من صور وكلمات ذات انزياحات دلاليه شتي۔ لها ظاهر وباطن.. وتتصاعد مفردات القصيده في سيروره فنيه تجمع بين البساطه والعمق.. والشمول.. ورغم أنه يتخلي ى عن وعي تام ى عن الوزن ى الذي أحسب أنه عنصر جمالي مركُز في بناء القصيده ى فإن محمُد حدُاد.. يعوُض غيابه بعناصر جماليه أخري وفي مقدمتها (الصوره الشعريه) و(الموسيقي الداخليه للكلمات) و(الذروه الشعريه للكلمات ذات الجرس الخاص) و(التناغم) الذي يشكل توازناً وانسجاماً (هارمونياً) في البناء الخارجي والداخلي للنص.. ويتكيء الشاعر علي الأسطوره والتراث الإنساني تاره لتحميل قصائده دلالات موحيه شتي.. (ذاتيه) و(إنسانيه) و(وطنيه)..
«رْأكö (بلٓوتٓو) أخöيرْاً
ذْاتْ مْسْاء
وْحöيدْهً۔ تْصطْادöينْ الفْرْحْ السُْاكöنْ فöي عْينْيكْ
وْتْنثٓرöينْهٓ فöي الهْوْاء¿»..
«سْبْقْنöي (بلٓوتٓو) إليكö..
فالبْردٓ شْديدñ فöي (هْادöيسْ) الخْوْاء..
و(بلٓوتٓو) يخافٓ البْردْ..
وْيْدْاكö دْافöئْتْاöن كعْينْيكö۔
لöذْا سْبْقْنöي قْبلْ أن يْأتöيْ الشُöتاء!».
وهو في كلُ الأحوال سواء كان عاشقاً أو متأمُلاً.. حزيناً أو فرحاً. لا يبارح مدينته دير الزُور وشواطيء الفرات التي أحبُها ى وحبُ الفرات ى قدر كل أبنائه المتفتُحين علي شواطئه الشُامخين كأشجاره الباسقه.. المتدفُقين كمياهه الخيره المعطاء..
في هذا الديوان۔ يجرُب محمُد حدُاد.. في اللغه۔ فيستخدم طاقاتها بمستويات عدُه۔ وتاره يجرُب في (النحو التوليدي) ليعطي بعض العبارات والجمل بناءها النحوي الخاص۔ تاره يقدم المدلول علي الدال.. وتاره يلغي ويحذف بعض الكلمات۔ ليترك للقاريء حريه إكمالها وتصور ما يمكن أن يكون مكانها من كلمات في محاوله منه لإشراك القاريء في كتابه النص.. وتكوين رؤيته الخاصه علي الطريقه (الجشتالتيه)..
ويجرُب في الموسيقي۔ فهو طوراً يموسق النص إذا رأي ذلك ضرورياً وكثيراً ما يفعل ذلك۔ لكنه تاره أخري.. يشوقه أن يمتحن قدراته الأدائيه كشاعر متأمل فيطامن من الجرس ويتلاشي الإيقاع الخارجي في مسعي واعٰ منه للبعد عن (التطريب السطحي) لصالح الرنين الداخلي الهاديء الهامس العميق للكلمات..
ويجرُب في بناء الصور الشعريه.. فهو تاره يأتي بصور بسيطه وطوراً يأتي بصور مركبه۔ ويرسم خلفيُات لها من كلمات تحمل ذكريات قديمه.. ويلوُن تلك الكلمات بشتي الظلال النفسيه..
إن طاقات محمُد حدُاد التجريبيُه غير محدوده.. وهذا ما يجعلني أثق بمستقبله الشُعري.. بعد أن أثبت ى في أكثر من محفل ومسابقه شعريه۔ علي مستوي محافظته والقطر السوري جدارته كشاعر.. يعد بعطاء جمُ ومتميُز.. وأصيل.. ومدهش..