لطالما منيت نفسي يا حبيبتي قبل أن يهبني الله إياك أن تقع عيناي علي بهاء وجهك الجميل وبريق عينيك المتألق ورحت أقلب الفكر الجامح الطامح إلي اللقاء كيف هي صغيرتي وتمر إذ ذاك كل الصور الراقيه في مخيلتي وتعبق بالمكان الذي تجول فيه عيوني في كل صباح رائحه الزهر وسنابل القمح ۔ فأزدادٓ شوقاً إليك وتغمرني الفرحه كلما اقتربت ساعه اللقاء المحدد الذي شكل فيما بعد نقطه تحول كبري في تاريخ حياتي الأبديه .
وكنت كلما فكرت فيما أناديك سمعت صوتا عذبا شجيا يقول إنها "فرح" فصدقت الرؤيا وأقبلت بفرحه ما عرفتها من قبل ولم تجهدي نفسك كثيرا حتي بلغت من قلبي ما بلغت وسرعان ما أصبحت السيده الأولي في حياتي علي صغرك وكبر تجاربي۔ ففرحت وامتلأ صدري بقدر عظيم من المشاعر أحسست أثرها كأنني لم ألم من قبل ولم تمر بي ساعه من ضيق ولا أصدقك القول لو أنكرت خشيتي من الفراق ولكن كان هاجسي عاديا أن أغادرك أنا عائدا إلي سيدي ومولاي الحق وأنني إذا ما صرت إلي الجنن باعد الموت بيننا ومرت الأيام سراعا لأفاجأ بعدها أنك أنت المسافره وأنا من ذاق حسرات الوداع .
سافرت مبكرا جدا فهما عامان أحدهما كنت فيه معي ما عشت أجمل منه ولا أروع والأخر انقضي بعد رحيلك ما عشت أصعب منه ولا أشقي.
فلتسمحي لي يا أميرتي الصغيره أن أقص عليك حكايتي ما قلتها لأحد قبلك ولا بعدك ولن أطيل۔ فمثل غيري أتيت إلي هذه الدنيا دون خيار وما أن بدأت أدرك معاني الأشياء حولي منذ طفولتي حتي أصبحت كثير الشكر لله رقيق القلب متدفق المشاعر محبا للخير ودودا رحيما بالناس خاصه منهم الضعفاء وقد أيقنت أن الأطفال لا يشغلهم ما يشغلني ولا يعنيهم ما يعنيني فكبرت خلسه وكأن دهرا قد مرُْ بي وحملت من الهموم وتلقيت من المصائب والنوائب ما نال من الروح والجسد دون أن تفتر العزيمه أو يتردد الفؤاد.
ووضعت نصب عيني ضروره النحت في الصخر فما ادخرت جهدا في ذلك تاركا ورائي خصوما حاسدين وحاقدين وزنادقه ومارقين ولم اختر مقارعتهم كي لا أكون منهم أو أكسب إثمهم رغم أن بعضا من سهامهم نفذت إلي صدري مرارا وتلقيت بليل غير مره شرور مؤامراتهم وطعن حرابهم الغادر.
وقد أكرمني الله فيما صرت إليه وأنني احمده علي كل حال ولولا رحمته وفضله لزلت مني القدم وانهارت في الإراده وأظلمت في وجهي الطريق.
ولعل ما زاد من جراحاتي إدراكي أنني أعيش في غير زماني فلا الناس ناسي ولا الصحب صحبي ولا الدار داري إذ تبدل كل شيء حولي وتغيرت مفاهيم كثيره وتبددت قيم أزليه وسارت الأمم أفرادا وجماعات قطعانا لا ضاله لها سوي الكلأ والمرعي وقد أيقنت حينها معني شريعه الغاب الذي اختزلته من أحد أساتذتي وما تجرأت أن أسأله حينها عن ذلك الاصطلاح حتي فهمته بكل جوارحي وكأن ذلك المعلم علي درايه بعدم الحاجه إلي تفسيره طالما سنعيشه سلوكا ونمط حياه ۔ والمسأله بالغه التعقيد فالصعاليك إذا نظر اليهم في غير زمانهم عدوا لصوصا منظمين ۔ والطيبون الطيبون في هذا الزمان زمان الشطاره والفهلوه سذج ومساكين .
لعلك تسألين عما ألت إليه حالي من بعدك يا صديقتي۔ فأما صدمه الوداع فزلزلت فيهازلزالا شديدا,وقد تهاويت من كل جانب وكان صبري عليها أشبه بالثبات علي أمواج هائجه حتي قلت لنفسي أين عون الله . ألا إن عون الله قريب .
واعلمي أن الشوق يلسع عمق صدري وأنني أترنح كلما اجتاحتني الذكريات حامله صوره وصوت وصدي كل حركه أصدرتها أو ابتسامه لاقيتني بها۔ أو فرحه غمرتني بظلالها۔ فإن أفقت شكرت الله مرتين أنك في رحابه أمنه مطمئنه وقد نلت شرف جواره دون سؤال وأنني إليك أت لنلتقي لقاء لا فراق بعده وإنه وعد من الله ومن أصدق من الله وعدا.
ولتقرأي أخر كلماتي هذه التي أعلنت بها انتهاء عهدي بالشعر معتزلا نبض قلبي وكل إحساسي علي بذلك أقدم قليلا مما تستحقين.
فإلي الملتقي يا بنيتي المؤنسه الغاليه وإلي الله ارفع أكف الضراعه أن يكلأك بعنايته ورعايته وأن يجمعني بك ويشد أزري ويعطيني من الصبر ما استعين به علي ما تبقي لي من حياه .
أما من يستعذبون الشعر فأنني أقدم إليهم مجموعتي الشعريه "نهايه فرح" مودعا إياهم وداعيا لهم ألا يصيبهم ما أصابني فإن حصل أن يلهمهم صبري وإيماني.