وبعده: المبرز في العلي المحرز للمعلي۔ محيي فصاحه الأوائل ومعيي سحبان وائل۔ كرم الله طلعته وحتم علي الدهر طاعته أمين۔ هذا وما عسيت أحلي ولو حصلت لي ملكه المحلي۔ أو حصلت أنواع بديعه الحلي۔ وأنت أعزك الله السفير بين الملوك۔ والوزير الذي هو في عقد الوزاره فاخره السلوك۔ فأني يوصل إلي الأوج من فلك مجدك۔ ولا يقال للزوج إن له معني من معاني فردك۔ بيد أنك حفظك الله كريم الأخلاق۔ وحضرتك العليه حضره الإطلاق۔ فبساط أنسك لا شك أنه أرفع۔ لكن انبساطك فيه أوسع للنفوس وأنفع۔ وهو وإن كانت به الفرش المرفوعه۔ والأكواب الموضوعه۔ وألوان الطعام مما طار كما قيل وعام أو من غيرهما۔ كذلك المشوب بالطيب المشتبه بقلنسوه الخطيب۔ فخطابك البليغ أفضل من ذلك كله وأجمل۔ ومنزعك اللطيف أوصل للنفوس وبها أحل۔ لأن ذوق معاني الكلام ألذ من ذوق ما في الأواني من الطعام وأجل وأكمل۔ ومما هزني من ذلك للكلام۔ ولزني في المداعبه معك كما لز الألف مع اللام۔ ما أودعته في رساله الاستدعاء من قولك والساق مشمر عن ساق۔ فإنه ذكرني قول بعض المقاول:
لم أنسْ يوماً قام يكشف عامىدا عىن ساقىه كاللؤلىؤ البىراق
لا تعجبö إنٔ قامت لذاك قيامتىي إن القيامه يىوم كشىف السىاق
وإني لما حضرت ذلك المجلس الأبهر۔ وأظهر فيه الساقي من شمائله ما أظهر۔ إنما تاه فكري في لطف مناولته۔ ووصف مطالعته لرضاك ومحاولته۔ فغبت بذلك عن ملاحظه الساق المشمر عنه۔ بل وعن الساعد الذي كان أقرب إلي منه۔ نعم
أتهم لك نفسي بنظره أولي لمحياه۔ وكأن القلب بها حياه۔ لكن قلت في الحين علي الشذوذ إياي وإياه۔ فلعل السيد لنفسه هيأه۔ والنظره الأولي كما علمت معفو عنها۔ وإذا سمح قدرك العالي بالمداعبه فهذا منها والسلام.
فراجعته بقولي: أبقاك الله لطرفه تجليها۔ وبنات أفكار بدر نثارك تحليها۔ ونادره تردفها بأخري تليها۔ تلك رياض تفتحت عن أزاهرها أكمام۔ ولات حين للأزاهر إلمام۔ هذه يقظه أو منام۔ عهدي بالرياض لم ينتج الأن شمام۔ أو ذاك مسك فض عنه ختام۔ تحيرت في ذلك أظنه سحرا أجل نفث به حبر وإن شئت بحر فخذ عن إمام۔ إمام تجملت بطلعته الأيام۔ وتجمعت له شوارد العلوم فتسني له بعد تفرقها التئام والتمام۔ أما الأدب فهو بعض بعض فنونه۔ ورشوحه من معين أنهار عيونه۔ أما تراه قدوه للأنام حل من دري المعقول والمنقول حيث لا محل للمحلي۔ وأربي فيما أبدع من البدائع علي بدائع الحلي۔ أليس معدودا في إحراز السبق في مرتبه لو كانت قبل المجلي۔ وأما ذكاؤه فشهاب يتوقد۔ وألمعيه في كل أونه تتجدد۔ فقد غذا إياس عن إدراك شأوه ذا إياس۔ عذبت مفاكهته وعدمت مشاكهته۔ رمي بسهمه في أغراض المداعبه فقرطس۔ واستخرج من لجج بحارها من الغرائب ما أعجز من غطس۔ ما ألطفه تشبيها يشهد للمشبه بأن له شبيها۔ في ذكر القلانس والخطيب۔ فقد هصرت من أفنان البلاغه كل غصن رطيب۔ وما أحلي منازعك علوت منازعك۔ ولو حضر لأذعن لك ابن الخطيب۔ وقد وصف سيدي ما استحسن من المجلس والساق۔ وساق ذلك أحسن مساق۔ فأبدع ما شاء في تناسب واتساق۔ وأحكام المبني وتسديد اللفظ لغرض المعني۔ والخروج من معني لأخر حيث لا شعور للسامع۔ شاغلا له ببوارق سحرك اللامع۔ غير أن سيدنا يسر حسوا في أرتغا وما أدري ما الابتغا۔ فقد رأيته راجع الالتفات لاستدراك ما فات۔ وللنظره وحدها استنزر ولصيده في جوه حلق واستنسر۔ وذكر أنه ما أعرض عنه إلا
لتوهمه أنني هيأته لنفسي فاستأثرت به و إلا لألحفه بثوبه۔ فإن كانت المثابه العليه ممن يقنع بنظره وإن أعقبت حسره وتمذهبت بمن قال:
وهويتىه يسقىي المىدام كأنىه قمر يطوف بكوكب في مجلىس
فقد استوفي حظه وأنال مراده لحظه۔ وليكتف بذلك أدام الله حفظه۔ ولم تبق له منه في استبقائه۔ حيث استقصي الشمائل الناشئه عند المعاطاه من تلقائه۔ وإن لم يقنع بذلك المقدار من التغزل۔ وأراد من غلع العذار كمال المرام من التنزل۔ وتمذهب بقول الأخر:
وضممته ضىم البخيىل لمالىه أحنو عليه مىن جميىع جهاتىه
فلا ملام علي اغتلام۔ فالمجلس والغلام مع كمال المرام۔ ولعل بتيسر الجمع تجودكم عند الانفصال غمام۔ هذه دعابتي بعثت بها إلي محل كمالك۔ وعظيم جلالك ثقه ببرك ورحيب صدرك۔ واعتمادا علي تحملك لمداعب وإغضائك عن المعايب۔ فاغض أبقاك الله واسمح وبعين الصفح والتجاوز فالمح.
فكاتبني بما نصه:
سيدي أدام الله لك السعاده۔ ولا قطع عنك من الإنعام ومديد الإكرام۔ كما لم تقطع عاده۔ إن هذه النفوس كما جاء تصدي كما يصدي الحديد۔ فتتأكد لذلك صقالتها التي هي لنورها كالتجديد۔ وإن مما اتفق عليه رؤساء الحكماء۔ وأطبق معهم نجباء العلماء۔ أنه لابد لها من رياضه۔ إذ التدريج حكمه هذا العالم وإن كانت القدوه فياضه۔ وصاحب القصر يهوي قبابه وتاره رياضه۔ ويستحسن من أزاهرها المختلفه ما خالطت حمرته بياضه۔ ولذا قيل:
لا يصلح النفس إذ كانت مدبىره إلا التنقل من حال إلىي حىال
كما قيل أيضا:
تنقل فلذات الهوي فىي التنقىل ورد كل صاف لا تقف حول منهل
وفي المعني:
أفد طبعك المكدود بالجد ساعىه بلهو وعلله بشيء مىن المىزح
البيتين. وقد علمت أعزك الله أن اللذه انبساط باختلاس۔ وأكمل اللذات استنباط حكم همم الجلاس۔ لأن همه المرء ميزان عقله وبرهان فضله۔ وأكثر ما تظهر في قوله۔ المرء مخبؤ تحت لسانه۔ وقد كان من تقدم من الكبراء والأمراء والوزراء يستعملون جل أوقاتهم في هذا المعني۔ يولعون به ويعنون أجل بذلك يولع وبه يعني.
وأذكر الأن من ذلك ما حكاه الثعالبي في يتيمته۔ وقد ذكر القاضي التنوخي فقال: وكان كما قرأت في فصل للصاحب۔ إن أردت فإني سبحه ناسك۔ أو أحببت فإني تفاحه فاتك۔ أو اقترحت فإني مزرعه راهب۔ أو أثرت فإني نخبه شارب۔ إلي أن قال: وكان من جمله القضاه الذين ينادمون الوزير المهلبي۔ ويجتمعون إليه في الأسبوع ليلتين علي أطراح الحشمه والتبسط في القصف والخلاعه۔ وما منهم إلا أبيض اللحيه طويلها مثل المهلبي۔ فإذا تكامل الأنس وطاب المجلس ولذ السماع۔ وأخذ الطرب منهم مأخذه۔ وهبوا ثوب الوقار للعقار۔ وتقلبوا في أعطاف العيش بين الخفه والطيش۔ إلي أن قال: وعليهم المصبغات ومخانق البرم وفيهم يقول السري:
مجالس ترقىص القضىاه بهىا إذا انتشوا فىي مخانىق البىرم.
واذا أصبحوا عادوا لعادتهم في الترهيب والتوقر والتحفظ۔ وأبهه القضاء وحشمه المشايخ الكبراء.
وإنك أسعدك الله لمن فرسان هذا الميدان۔ ولك فيه بحمد الله يدان۔ بل أنت أعلي علما وعقلا وكرما وفضلا۔ فوق المعروف والمقول في ابن معروف۔ شجره فضل عودها أدب۔ وأغصانها علم وثمرتها عقل وعروقها شرف۔ تسقيها سماء
الحريه وتغذوها أرض المروه۔ لأن الإغتباط إنما يكون عند الأعواز وليس في المعتاد إعجاز۔ فمن لا توجد هذه المعاني والمعالي في زماننا إلا عنده۔ فهو كموحد الفتره الذي يبعث أمه وحده۔ وما كنت أظن الأيام تنتج عن عقم۔ أو تشفي مما كان بها من السقم۔ حتي طلع نجم سعدك في أفق مجدك۔ فأشرق إشراق الغزاله والقمر ذي الهاله۔ فلله أنت في القبه اليمني۔ سعاده لك ويمنا۔ وجه متهلل بالبشر متجمل لا متبرم ولا متملل۔ ولسان يلفظ بالجواهر الحسان وبالجمان في أخبار الزمان۔ فإذا أمرت برمز الحاجب لا بالكلام۔ ائتمر لأمرك ذلك الغلام المقارب للاحتلام.
سيدي كيف تجدك إذا اهتزت أعطافه۔ وارتجت أردافه تشابهت أوصافه۔ فتمايل قده وتسايل خده۔ لاريب أن ما بالقلب من الخور۔ هو مما في عينيه من الحور۔ وأنه إنما ذاب من ذبول الأهذاب۔ أو من تراءي لغره علي غره۔ لكنه بالشفه يشفي فلمي ثغرها عسل مصفي۔ وجواهره أنقي من البرد۔ وأصفي ما أبردها علي الكبد للمنفرد المستبد۔
كيف يسلو الذي تعشىق أغيىر صيد فاصطاد وهو قد كان أصيد
إن طرفي جني علىي ولىم أج ن من الىروض وجنىه تتىورد
كما قلت لا أعىود إلىي العىش ق ابتليت ولكىن العىود أحمىد
ها أنا مغىرم بىه فاعىذروا أو فاعذلىوا فالمحىب دأبىا يفنىد