من ديوان
ديوان محمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي (1214هى/1799م)
للشاعر
بديعي
المقامه الثانيه:
المقامه الصفعيه:
أخبرني من يعتمد عليه, ويرجع في الأخبار إليه, أن الفقيه الأجل, العالم المبجل, القاضي الأعدل, الماجد الأفضل, قاضي سجلماسه محمد بن سعيد, قدم في بعض وفاداته علي سيدنا المنصور, ما أدري في موسم أو عيد. فولاه سيدنا يده الله لمعرفته بمكانته قضاء رباط الفتح مده مقامه, مفوضا له تنفيد أحكامه. وقد علمت أن أمر القاضي مبني علي الشهود, بل في جميع الملل حتي عند اليهود. فيجب علي من ولاه الله القضاء أن يختار للمسلمين من يعتمد عليه في دمائهم, وأموالهم, وضبط أفعالهم وأقوالهم. وكان من فطنه هذا القاضي, وممارسته للشهود والمتقاضي, أن أمعن النظر في عدوله, دفعا لكلام عدوله, ليميز منهم الخبيث من الطيب, فميز هذا الخبيث الذي اسمه معكوس الطيب. فوجده يتلون في شهادته كالحرباء, إلا إذا واساه المشهود له وحبا. فزجره عن ذلك فما ازدجر. بل زاد في ضلاله فتعدي وفجر. فلما أعياه أمره, وانكشف للوري سره, ولم يزد أمره إلا ظهورا, وبهتانا وفجورا –ومن لم يجعل الله له نورا- أحضره مناديه بعد أن أجمع لذلك قاضي الخلق ودانيه. واستنزل القاصي في الحكم عليه أراء القوم, بعد أن أولاه كل توبيخ وعتاب ولوم, وقال لهم: ما جزاء هذا اللعين الذي ماء وجهه أسن غير معين, وهو علي كل فجور وزور معاضد ومعين¿ فوقع الاتفاق من الملا, ممن انحط وعلا, وأجابوا بلسان واحد, وجواب مترادف متوارد: جزاؤه الصفع في القفا, عقوبه من تقدم من أبائه وسلفا. فأمر القاضي –وفقه الله- أن يطاف علي من يحسن ذلك في العدوتين وأجلبوا من الناحيتين. وأحضروا بين يدي القاضي وقوفا, واجتمعت الخلائق صفوفا صفوفا, جاوزت الوفا. وحسروا عن أيديهم وشمروا لما به يومروا, فقال لهم القاضي: أفيكم لفن الصفع عرفا¿ فقالوا: إي ومن يعلم ما ظهر وما خفي, وجعل محل الصفع القفا. فقال لهم: أيديكم ارفعوا, وهذا الندل اصفعوا. وليكن صفعا سويا, معتدلا متساويا. واعلموا أن من أخطأ أثر المعلم وما قفاه فليبشر قفاه.
فتقدم أكبرهم وأعرفهم بذلك صنعه, وتلاه أصحابه السبعه, وجعلوا يصفعونه صفعا, وترا وشفعا حتي ضرط وركع, وكاد أن يسلح لولا أنه رفع. ولم يؤثر فيه ذلك فبقي سالكا أقبح المسالك. فقد وقعت نازله بين رجل يقال له (طرنيش) وبين أحد أولاد بناني بالرباط. وكان من شهود أحد الخصمين الفقيه الأجل أبو عبد الله محمد بن الفقيه البركه شيخ بلاده, وعلم الهدايه بين عباده أبي العباس أحمد العربي رحمه الله, وهو من تلك البلد بمنزله الروح من الجسد, فقصد أحد الخصمين شيخنا المشهور بالخنا, وطلب منه أن يطعن في هذا الفقيه الذي جماعه أسلافه بالعداله موصوفه. فجرحه –عدو الله- بجعاله معروفه. ثم سعي ذلك الخصم المدعي, في إذايه ذلك الفقيه ما سعي. فاجتمعت للفتك بذلك الظالم أهل البلد, الوالد منهم والولد, وقالوا له: ما حملك ياسفيه, علي أن جرحت الفقيه¿ فاسترجع, ثم في شهادته رجع, وقال: غرني الطمع, والحرص والهلع, وإنه صاحبي أردت أن نحمي ذماره وإن النفس لأماره.
ورجع في شهادته, كما هو معروف من عادته. ورفعت النازله إلي سيدنا المنصور بالله, وأمر حاكم البلد أن يشخص إليه هذا الفاجر الذي في شهادته يتقلب, ويقبض الرشي فيتحزب ويتألب, ليندد به ويبالغ في أدبه, حتي ينزجر به السفهاء أمثاله, وشيعته وأله. فوجه إلي المقام الأمامي خائفا يترقب, وما سوي النجاه يتطلب, فشغل سيدنا –أيده الله- عنه بما هو بصدده من مهم الأشغال, وقد كان عازما علي الحركه والانتقال, ورفع النازله إلي قاضي حضرته, وفضح عدو الله بين جماعته وأسرته. ومن حفر حفره لأخيه وقع دونه في حفرته.
|