حين يفيض قلب المحب بالوجد... يأخذه بزمام الروح ويملك عليه أوقاته كلها، فلا يستبين عنه منها إلا الشوق. ومن علامات الشوق، اليقظة؛ ولسن أعني يقظة الجوارح، بل يقظة الروح، فلا يكون للغفلة عليها سلطان.
فسهر المحب ليس كسهر غيره، إذ علامات السهر لدى الأغيار بائنة للعيان، بينما سهر المحب خفي، كحاله. وإذ يسهر الأغيار ليلاً، يكون سهر المحب ليلاً ونهاراً إذ لا يغيب عنه الشوق أبدًا. وإذ يسهر الأغيار مفتوحي الأعين والبصر، يسهر المحب ناظرًا بعين روحه التي لا تغمض وببصيرته التي لا تُكَفُّ.
وإذ يشتغل الأغيار بالوعي في سهرهم، إذ بالمحب يغيب عن هذا الذي حوله، فوعيه منصب على مدركات روحه حتى يراه من حوله مغيبًا، بينما هو سابح في يقظة وجده، مأخوذًا بها عن يقظة جوارحه.
فطوبى لمن يقضون عمرهم في السهر ما بين نجواهم ووجدهم، ليلاً ونهارًا ، وعشيًا وحين يُظهرون.