مفجوعـة أنـتِ لا أهـل   ولا دار
الزَّوج غاب وغابت   معْه أقمـار
كانوا سرورك في الدُّنيا وكنت لهم
سرورهم   وهنـاء العيش مدرار
الشمـل ملتئم في البيت يجمعكـم
ودٌّ ومرحمـة . عطـف وإيثـار
كأنّمـا بيتكـم   والأنـس يملـؤه
حـديقـة كلّهـا ورد وأزهــار
وفجـأة دخـل الباغـي ففرَّقكـم
وحلّ   في الوطن المفجوع غـدّار
وجنده يزرعـون الموت في بلـد
جـرت به لحيـاة   الناس أنهـار
من أين هم؟   أأنـاس أم هم فئـة
من الشياطيـن أشـرار وفُجَّـار؟
يا من فجعت بزوج كان مستنـداً
وقـت الملمَّات إذ تشتـد أخـطار
يُقتاد من بينكم قسـراً ويضـربه
علج شديد الأذى ـ كالثورـ خوَّار
وأنت في دهشـة أما بنـوه   فلم
تجف منهم دموع مـذ به ساروا
كم من شبيه له قـادته شـرذمة
من الغـلاظ فأخفى العَبْرةَ الجـار
خوفاً مـن الأشقياء الظالمين إذا
رأوه يبكيـه أن تُصلـى   به النَّار
يُقتـاد في ذلَّـة سَحْباً وزوجتـه
قـد غالها هلـع والدمـع مـدرار
لم يرحموا   ضعفها لم يتركوه لها
وللبنين الألى هـم بعـد قُصَّــار
يا من فجعـت بأبناء مضـى بهم
إلى مهاوي الردى   المحتوم فُجَّـار
يجرُّهم   من جنـود البغي أربعـة
والعيـن دامعـة والقلـب محتـار
تسترحمين وما   مِنْ راحـم أبـداً
بل كلما زدتِ في استرحامهم ثاروا
وغيَّبـوهم فما تدرين ما صنعـت
أيدي الجناة بـهم فالأمـر أسـرار
حتى إذا ما مضـت أيام أحسبـها
غـدت لديك سنيناً جـاء عمَّــار
لكنه جـاء يشكـو صـدره ألمـاً
وشكلـه زائـغ العينيــن مُنْهـار
يسيل من فمه مُـذ جـاءها دمـه
لا يرقـأ الـدم   بل كالسيـل فـوَّار
مسكين عمار كم   من مثله فتكـت
بهم يـد البطش . أطفـال وأغـرار
صغار يستعـرض الغازي شجاعته
أمامـهم فــإذا الأطفـال خُــرَّار
صغـار يستعمـل المحتـل قـوَّته
فتكـاً بـهم   فبـهم للفتـك آثــار
تراهم بين   من يبكـي ومعتــذر
وضاحـك ما درى عمـا أتى الجـار
فلا يبالي الأشـداء الغـلاظ بـهم
ولا تفيــد مـن الأطفـال أعــذار
يا أم عمّـار قد   حَرّكْتِ عاطفـتي
شَجْـواً وإسـلامنا بالعطـف أمَّــار
أختـاه   إني لما عَانَيْـتِ في ألـم
وفي عـروقي دمٌ ـ والله ـ مَــوَّار
غيظاً على الظالم الباغي. أمقتـدر
على النساء وعلى الولـدان مغْـوار؟
أخرج إلى الناس واجه إن تكن بطلاً
لا تختبـئ مثلمـا   يستخبـئ الفـار
مفجـوعة أنت بل كل الفجيعة في
مصابك الضخـم فالمَشْفَى هو الـدار
مستشفيـاتٌ توَالِيـنَ الـدُّوار بها
للـه ذو نكبـــة بالـــهمِّ   دوَّار
صـدَّام يا دُمَّـلاً في صـدر أمَّتنا
وقيحه الخزي ـ يا مأفـون ـ والعار
أثكلت. يتِّمت. صُغْتَ الحزن ملحمةً
وقمـت   تنشـد والأشـلاء أوتــار
ألـم   يكـن كافيـاً رشٌّ لحلبجـة
بالغـاز يطلقــه فـي الجـو طـيَّار
سبعون ألفاً غدوا صرعى وأنت بما
فعلـت   مبتهـج والجنــد سُمَّــار
تُحْيِ لياليـك في بغـداد منتشـياً
كأس وراقصـة. طبــل ومـزمـار
والحزن قد جلَّل الأشيـاء   أجمعها
حتى لقد سكتت في الـدوح أطيــار
لم يكفك الجرم   من عامين نلت به
سُخْــطاً مـن الله إذ غطَّتـك أوزار
فجئـت ترتكـب الآثـام في بلـد
جـار فتُهتـكُ   للإســلام أســتار
يجوسه جيشك الباغي الغشوم فوا
لهفاه   جيش على الإخــوان جـرَّار
فمن ضحاياه هـذي الأخت شيَّبها
هـول   رأتـه وإيــذاءٌ وإضــرار
يتم وثكـل وتشـريد ومذبحــة
تجـري بها   من دماء القـوم أنهـار
لـولا الثقـات لقلنـا إنه   كـذب
من ذا يصـدق أن القلـب أحجــار؟
لكنَّ ما شاهـدته العيـن تلفـزةً
أغنى عن الوصف هل كالوصف إبصار؟
شيء يذيب الرواسي كان يفعلـه
هـذا الزنيـم وأجنــاد له جـاروا
ويدَّعـي مـع هـذا كلـه ألمـاً
أقــض مضجعـه إذ جـاء كفَّــار
يقول ـ لا عاش ـ بيت الله مرتهن
فكيـف يأتيــه حجَّـاج وعُمَّــار؟
ويطلق الصيحة الخرساء في عبث
إلـى الجهــاد فإعـلان وإســرار
والأمر في غاية الإضحاك واعجبي
أن يدَّعــي رحمـةً للشَّـاء جـزَّار
فَلَمْ نر الدِّيـن يوماً كان وجْهَتَـه
أو أن أزلامـه للدِّيـن قـد غــاروا
بل إن تاريخـه مـذ كان يملـؤُه
حقـد على الدِّين ـ لا ينفكُّ ـ ختَّـار
يا فاجـراً مـا حنـى لله جبهتـه
يومـاً   ولكنـه في الحـان خمَّــار
شربت صفواً ـ طويلاً ـ بينما شربت
مـن كفـك   السـمَّ أشيـاخ وأبكـار
أقصر عن البغـي إن الله منتقـم
مهمـا   تجبَّـرت فالرَّحمـن قهَّــار
والله حـامٍ من الطاغيــن ملَّته
ونحـن للدِّيـن أعـوان   وأنصــار
يا من سُقيتِ كؤوس الحزن مترعةً
وشـاب صفــوك أقـذاء وأكــدار
صبراً على قدر الرَّحمن واعتمدي
عليـه إن أخـا الإيمــان صبَّــار
فالفجر من حالك الإظـلام منبلج
واليسر يأتي إذا ما اشتـد إعســار
وأبشري أمة الرَّحمن وابتهجـي
لسـوف يرجـع للأوطـان أحــرار
فالظلـم مهما طغى   تأتي نهايته
على يـد الحـق   زلزال وإعصــار
يُقـوِّض الحـقّ بنياناً لباطلـهم
بسيفــه إن ســيف الحـقّ بتَّـار