لم فتحت لي الباب يا لاذقيتي وأنا أهم بالخروج¿
لم لم تخفي حقيبه الغربه وجواز السفر¿
لم لم تشعلي في ذاكرتي حريقاً وأنا أبرم لك ظهري¿
لم لم ترغميني علي البقاء رغماً عن أنف الغربه وشوارع الضياع في أزقتها¿
لم لم تشدي وثاقي وأنا أجر حقيبه الرحيل¿
ألهذا الحد هنت عليك يا مدينتي الجميله¿
أتخيلك الأن تنتظريني في حارتي القديمه في حي القلعه..تفتحين نافذه من نوافذ بيوت الحاره المتبقيه علي ذمه الذكري تترقبين عودتي۔تسترقين السمع لخطواتي العجوله المشتاقه..توشوشين أطياف أبناء الجيران: أين تلك الفتاه الصغيره ألن تأتي اليوم للعب معكم..
لا تنتظرونني بعد اليوم أبناء حارتي۔لقد حزمت أمتعه الغربه واعتليت غيوم الترحال ومضيت..لا تنتظرونني اليوم۔فلن أتي۔العبوا بمفردكم۔تلك الفتاه الصغيره التي كانت تقفز من سور حديقه جدها وجيه لن تعد اليوم۔تركته يسقي زهور حديقته ولحقت ظل الغياب.
حارتي الجميله كم أحبك..
كم كنت أتبع أثار اقدام الغيُاب في حجرك المنحوت في وجداننا..رأيتهم جميعاً معلقون علي شجر حدائقك المهجوره.. أرواح ترتدي أثواب الجنه وتتأملني وأنا أعبء من هواءك أكسجين حياه..رأيتهم جميعاً يا حارتي الجميله..مصطفون علي زهر الغاردينيا يناشدونني العوده وإشعال قنديل الحاره القديمه...
رأيتهم يصعدون سلم بيتنا القديم علي رؤؤس أصابع الشوق يتفقدون أطفال الحاره بعد أن طوت السنون فصول الحياه في وجوههم..يفتحون غرف النوم فلا يجدون غير ملابس نومنا القديمه مرميه علي حافات الأسره الخشبيه..
أرواح أهل الحاره مستمره في الطوفان حول أسره ابنائها..تلملم شعره سقطت من روؤسنا بالصدفه..خاتم وقع من اصابعنا ونحن نلعب معاً لعبه بيت الجيران..شريطه بيضاء كانت أختي فاطمه تعقد بها شعرها..روايه لألكسندر دوما كان ابن الجيران يقرأها قبل النوم وهو يتخيل مدينه أحلامه التي أصبحت اليوم واقعه المغلق..أشياء وأشياء تلتقطها ارواح أهل الحاره وهي تبكي أبنائها المتناثرون في أصقاع العالم البارده..أراها تلملم بقايانا وتضعها في صندوق مغلق وتنزل الدرج من جديد لتعود إلي مقبره القلعه قبل أن يغلق حارسها الباب وينام..
الأرواح تخرج من الحاره كما خرجت اليوم بنفس الهدوء ونفس الحزن ونفس العجز عن العوده حيه إلي بيت الشيخ عارف الصوفي.. الحاره كلها تموت اليوم علي إيقاع أنفاس الرحيل۔تستنشق أنفاسها الأخيره..تقرأ الشهاده وتغمض عيناها وتلحق أرواح اهلها وهم يبكون غربتنا وسفننا التي رست في مرافء بعيده وأوطان غريبه وأوجاع دفعنا ثمنها يوم اشترينا بطاقه سفر وغيرنا وجهه الأتي. إلي ما بعد حدود الحاره وحدود أنفسنا..
